عبير ضاهر تكتب..عُنّق الكآبة

ماذا أفعل من الصباح إلى المساء؟..أحتمل نفسي هكذا أجاب الفيلسوف والكاتب الكبير إميل سيوران حينما وجه له سؤالاً – ماذا تفعل في يومك؟!..
أما هى فستعلمك أن تفعلها وستخبرك متى تحتمل نفسك وكيف تأخذ بيدها وتسيران سويا تهدهدها تارةً بعد حيرة ربما طويلة وتخبط ثم أن تنصت إليها وتداوم على إفلاتها وتحريرها بنزع الأشواك من وبر الأيام الملقى أعلى أوقاتك وبين لحظاتك
نفسياً وحسب ما يخبرنا به الأطباء النفسيين فالشعور بالكآبة علامة إيجابية للصحة النفسية ومؤشر على كوننا بشر أسوياء طبيعيون فهى واحدة من المشاعر الكثيرة والمتنوعة التى تتناوب علينا ونمر بها ونعايشها إلا في حال إن إستمر هذا لوقت امتد لأيام أو لأسابيع ولازامها عوارض ومشاعر أخرى ذات وطئة على النفس من شأنها حينها أن تنعكس على سلوكيات صاحبها وتعوقه عن القيام بشؤونه اليومية ومواصلة وإتمام مهامه الحياتية
فهذا شأن أخر وأمر جلل حقاً يجب التوجه للطبيب عندها ودون أدنى قدر من التردد أو التأجيل لأجل النجاة بالنفس
وعنها تجد نفسك منهمك في عملك أو تستعد للراحة أو تفكر في القيام بشىء ما فإذا بدلو ممتلىء بمادة دافئة شديدة الإلتصاق تهوى على رأسك والمفارقة أنك لن تنتبه لحظتها فالأمر بالغ الدقة والتعقيد بآن واحد ويتسرب بنعومة وخفة معاً فتشعر أن الأكسجين أصبح ثقيلاً والدم يسرى خاطفاً أو بطيئاً في إستجداء أما جسدك فتجده ثقيلاً لاتقوى أو ترغب في تحريك سبابتك لتشير على ريموت التلفزيون لتغير المحطة أو لتميل وتطل لشاشة تلفونك لترى من المتصل بك بتلك اللحظة العصيبة وقد تجد نفسك تريد أن تقفز في مكانك بلا سبب لتهرب من بوارد ومراحل تلك المهزلة متسائلا ماذا حل بى ؟ لقد كنت أفضل كثيراً مما أنا عليه وأشعر به الأن ! لاتقلق إنها الكآبة ذلك الشعور الذى لايتفوق عليه في غرابته وثقله على النفس سوى الضجر فكلاهما يأتيان فجأة وبلا سبب محدد أومعلوم
ولكن هناك أسباباً لها ومنها على سبيل الحصر نفاد الطاقة تجاه كل شىء وأى شىء وللبشرى فهناك حلولاً وطرقاً لتخفيفها مثل تناول الماء والمشي بمكان متجدد الهواء أوالإنتشاء بشيء من الموسيقي المفضلة وتناول قليلا من الحلوى وخاصة الشكولاته أوأخذ حماماً منعشاً أو دافئاً حسب الجو صيفاً كان أو شتاءاً
فهل ستغادرنا ؟ للأسف لن ننعتق منها فهى كما جاءت وهبطت سترحل بعدما تستوفى نصيبها من عافيتنا النفسية كلا حسب إدراكه وعلى ما درب ذاته عليه عند مثل هذه المشاعر فهناك من يؤذى نفسه وهو يدفع المشاعر السلبية عنه وهناك من يدرك أن الحياة هى مزيج من كل المشاعر السلبية والإيجابية ويتعلم كيف يتعامل معها ويصغى إلى رسائلها فالكآبة على سبيل المثال تخبرنا أننا يجب أن نترفق بأرواحنا ونحتضن أنفسنا بقوتها وضعفها أولاً وأن نراجع أنفسنا ونصحح مانخطىء به بالإمتناع عن تكراره ورتق ما أحدثناه بعلاقاتنا بالأخرين
وبأى بدأنا من بين كل هؤلاء نكون قدمنا للكآبة سبيلاً تنطلق منه مبتعدة عنا وحينها سننعم بلحظات طيبة متجددة وخاصة وقت الضيق فالنفوس الثرية هى الخيرة النافعة لنفسها وغيرها المحلقة في رقى وترفع عن الإضرار بالغير وسرقة فرح الأخرين وإيلام قلوب البشر وكسر خواطرهم وإحداث الندوب والعثرات بدروبهم
وكأننا نقدم زرعاً أخضر نطعم به ذواتنا في ليالى القحط النفسي لتنطلق الكآبة من العنق الضيق .