(الصبر على مصيبة الموت)
سلوى النجار
إنَّ فراق الأهل والأحبة بالموت لمن أعظم وأجل المصائب هكذا سماها الله في كتابه العزيز؛ ﴿ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ﴾
[ البقرة: 156] والمصائب متعددة؛ومن أخصها مصيبة الموت ، فهي تنزع الفؤاد ،وتأخذ بلب العقل ،لذا جاء هنا الاسترجاع . والصبر وهو من كبح جماح النفس عن الجزع ومعن الاية الكريمة:
وبشر يا محمد بالرحمة العظيمة والإحسان الجزيل، أولئك الصابرين الذين من صفاتهم أنهم إذا نزلت بهم مصيبة، في أنفسهم أو أموالهم أو أولادهم، أو غير ذلك، قالوا:بألسنتهم وقلوبهم على سبيل التسليم المطلق لقضاء الله والرضا بقدره إِنَّا لِلَّهِ أى: إنا لله ملكا وعبودية، والمالك يتصرف في ملكه ويقلبه من حال إلى حال كيف يشاء، «وإنا إليه راجعون» أى: وإنا إليه صائرون يوم القيامة فيجازينا على ما أمرنا به من الصبر والتسليم لقضائه عند نزول الشدائد التي ليس في استطاعتنا دفعها.
فقولهم: إِنَّا لِلَّهِ إقرار بالعبودية والملكية لله رب العالمين.
وقولهم «وإنا إليه راجعون» إقرار بصحة البعث والحساب والثواب والعقاب يوم القيامة.
وليست هذه البشارة موجهة إلى الذين يقولون بألسنتهم هذا القول مع الجزع وعدم الرضا بالقضاء والقدر، وإنما هذه البشارة موجهة إلى الذين يتلقون المصائب بالسكينة والتسليم لقضاء الله
عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أنّ رسول الله ﷺ قال: إذا ماتَ ولَدُ العبدِ قالَ اللَّهُ لملائِكتِهِ قبضتم ولدَ عبدي فيقولونَ نعم فيقولُ قبضتُم ثمرةَ فؤادِهِ فيقولونَ نعم فيقولُ ماذا قالَ عبدي فيقولونَ حمِدَكَ واسترجعَ فيقولُ اللَّهُ ابنوا لعبدي بيتًا في الجنَّةِ وسمُّوهُ بيتَ الحمْدِ
صحيح الترمذي.
حسّنه الألباني
——————
ومعنى الحديث: الصَّبرُ ضِياءٌ؛ يُضيءُ للإنسانِ الظُّلماتِ، ويُهوِّن عليه الشدائدَ والكُرباتِ، ويَهديه إلى طَريقِ الحَقِّ، وللصَّبرِ فضلٌ كبيرٌ، وهو مِن أهمِّ الأخلاقِ الَّتي يَنبغي للمُسلِمِ أنْ يتَّصِفَ بها، وهو على ثَلاثةِ أنواعٍ: صَبرٌ على طاعةِ اللهِ، وصبرٌ عن مَعاصِي اللهِ، وصبرٌ على الأقدارِ والأقضيَةِ.
وفي هذا الحَديثِ بَيانٌ لأَجرِ بعض مَن يُصابُ ببعضِ المصائبِ فيَصبِرُ ويَحمَدُ اللهَ تعالى، حيثُ يقولُ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: “إذا مات”، أي: إذا انقضَى أجلُ وحياةُ “ولَدِ العبدِ” المؤمِنِ، “قال اللهُ”، وهو أعلمُ، “لملائكتِه” الموكَّلين بقَبْضِ الأرواحِ، وهو مَلَكُ الموتِ وأعوانُه، “قبَضْتُم ولَدِ عبدي؟” على تقديرِ الاستفهامِ، أي: هل قبَضْتُم رُوحَ ولَدِ عبدي المؤمِنِ؟ “فيقولون”، أي: الملائكةُ الموكَّلون بقَبْضِ الأرواحِ: “نَعَم” قبَضْنا رُوحَ ولَدِ عبدِك المؤمِنِ يا ربَّنا، “فيقولُ” اللهُ تعالى للملائكةِ مرَّةً ثانيةً، إظهارًا لكمالِ رحمةِ الوالدِ بولَدِه، “قبَضْتُم ثمرةَ فؤادِه”، وسُمِّي الولَدُ ثمرةَ الفؤادِ كثمرةِ الشَّجرةِ؛ لأنَّه نتيجةٌ للأبِ وثمرتُه، “فيقولون”، أي: الملائكةُ الموكَّلون بقَبْضِ الأرواحِ: “نَعَم” قبَضْنا ثمَرةَ فؤادِ عبدِك، “فيقولُ” اللهُ تعالى وهو أعلمُ: “ماذا قال عبْدي؟”، أي: ما كان ردُّ فعلِه وقولُه نتيجةَ هذه المصيبةِ، وهي موتُ ولدِه وثمرةِ فؤادِه؟ “فيقولون”، أي: الملائكةُ الموكَّلون بقَبْضِ الأرواحِ: “حَمِدَك” عبدُك، أي: قال: الحَمدُ للهِ، “واسترجَع”، أي: قال: إنَّا للهِ وإنَّا إليه راجِعون؛ فصَبَر على هذه المصيبةِ وهذا البلاءِ مُؤمِنًا بالقَدرِ، “فيقولُ اللهُ” لملائكتِه: “ابْنُوا لعبدي” المؤمنِ الَّذي حَمِدَني عند المصيبةِ واسترجَع، “بيتًا في الجنَّةِ” يَدخُلُه في الآخرةِ، “وسَمُّوه”، أي: هذا البيتَ، “بيتَ الحمدِ”؛ لأنَّه جزاءُ ذلك الحمدِ والصَّبرِ على المصيبةِ، وعدمِ تَشَكِّيه.
فاللهم أفرغ على كل ذي مصيبة صبرًا واربط على قلوبنا ورصنا بقضائك وامنن علينا بفضلك وكرمك ياودد يارحيم
وكتبته سلوى النجار