د/ شيرين العدوي..تكتب..كتاب بكي فيه مثقف
قلمٌ يقدره القراء بسبب ملحقه الثقافي البديع، الذي فتّح مدارك لمتعطشين للفهم فقدوا النافذة الحقيقية للثقافة بعدما طغت “السوشيال ميديا” عليها. وأقصد بالثقافة هنا الأدب والعلوم الاجتماعية، فقد ابتعد الناس بسبب تعقدها الناتج عن تراكم المعارف وتجهيل الشعب في أحيان، وتهميش دورها في الإعلام الحيوي في أحايين كثيرة مع افتقاد الميزان النقدي الحقيقي مما جعلها سلعة من لا سلعة له. فمن يمسك بالكيبورد ويمتلك صفحة فيسبوك أصبح الشاعر الكبير والقاص العبقري …إلخ.
وكان “ملحق الأهرام” بإشراف المبدع محسن عبد العزيز بمثابة قبلة الحياة لقطاع مهم في المجتمع مسؤول عن رسم الوعي الثقافي وإعادته إلى جادة الطريق بالتعبيرعن نبض المجتمع الحي. وكان ذكاءً من رئيس التحرير -ونحن نحتفل بالأهرام- باختياره الرجل المناسب في المكان المناسب. ولو تابع أولو الأمر ما يكتب بأقلام المبدعين الحقيقيين لتفتحت أمامهم طرق لحلول سياسية واقتصادية واجتماعية. ولم لا وكثير من العلوم التطبيقية استلهمت خطاها من النظريات الفلسفية والاجتماعية؟!.
صدر مؤخرا كتاب جديد للأستاذ محسن عبد العزيز بعنوان:” ليل الخلافة العثمانية الطويل سيرة القتل المنسية” مطبوعات الهيئة العامة للكتاب. والكتاب من أول عتبته إلى نهايته يبدو لي معبرا عن أزمة المثقف الحقيقي في عصر الظلام وتعمية العقول. فعتبة النص وهي العنوان والغلاف على حد منهجية جيرار جينيت في كتابيه المهمين “أطراس” و”عتبات” تقودنا إلى فك هذه الصرخة المتمثلة في العنوان وهو “الليل” بما يحيط الكلمة من ظلم وظلام نسب للعثمانيين واصفا ذلك بالطول: عند هذا تجود اللغة بأسرارها فتنسحب الصفة على الخلافة، والعثمانيين؛ بل يدخلنا هذا الليل إلى نفق أشد ظلمة وهو سيرة القتل المنسية التي جعلها الكاتب عنوانا مذيلا للعنوان الرئيسي؛ فنكاد نشم رائحة الدم من بداية الكلام إلى نهايته؛ لإفاقة المجتمع بكلمة “المنسية” وكأن الكاتب يريد أن يقول: هل نسيتم كل هذه المذابح التي ارتكبتها الخلافة العثمانية في طريقها لتأسيس ملكها، وبهرتم بصورة تركيا التي تصدر الآن عبر الفن في محاولة لاتباع الخلافة الجديدة التي ستقودنا نحو نفس الهوة السحيقة؟!
ونجد الغلاف للمصمم البارع حسين جبيل يؤكد على ذلك بصورة الرعاة المهجّرين، وظهورالمرأة المقهورة، وكثرة قباب المساجد لتوضيح التدين الصوري؛ حيث يذكر التاريخ أن الأتراك قبائل بدوية عاشت وسط آسيا، جلبهم الأمويون كعبيد. وعندما تولى العباسيون الخلافة استعانوا بهم كجند مرتزقة إلى أن سيطروا على عصب الدولة في عصر المتوكل مما تسبب في انهيارها. هذا الرمز الواضح في الغلاف نجد له خيطا قويا في الكتاب على هيئة أسئلة لجمال حمدان المؤرخ الكبير أهمها كيف تفوق الرعاة الأتراك وهم بلا حضارة على منطقة حضارية راقية زراعية مثل مصر والشام؟!
ويتعجب إذ يبدو قانون الاستعمار في هذه الحالة مقلوبا فغالبا ما تسيطر الحضارة الراقية على الحضارة المتخلفة. إن الكتاب صرخة حقيقية للإفاقة وقد بدا لي أن المؤلف يعلم حالة التجهيل وتغييب العقول فكتب بأسلوب ممتع رابطا الماضي بالحاضر. وإن كنت آخذ عليه دخوله للكتاب بفكرة الصرخة الحضارية من أول سطر، وعقب كل فصل مما يعرقل وصول الرسالة وربما الإحجام عن قراءتها .