د..سحر السيد..تكتب..أكثر حفلات الملوك والزعماء جنونًا

عربدة قبل لحظات من الموت: صادف هذا الحفل الليلة الأخيرة من حياة الملك بلشاصر ملك بابل ودخول الفرس البلاد، فقد أقام بلشاصر حفلاً كبيراً لنحو ألف شخص من المقربين من أصدقائه، وأحضر للحفل خصيصًا كؤوسًا من الذهب والفضة من المعبد اليهودي المقدس ليشرب ضيوفه البيرة في الأواني المقدسة، وصفت المائدة التي أعدها بلشاصر لأصدقائه بأنها كانت زاخرة ومكلفة جدًّا بين الملوك، فتألفت من فطير الشعير، والبطيخ، والشمام، والبلح واللوز، والدواجن، ولحم الضأن، ولحم الخنزير، ولحم البقر، والسمك، والجراد، وجوز البقان، وأطنان من بيرة الشعير في أواني صُنعت خصيصًا من أجل الإله، ليشعر بلشاصر وضيوفه أنهم آلهة حقيقيون. وانتهت هذه الليلة بفواتيرها الطويلة بسقوط بابل في يد الفرس، وقتل بلشاصر في سريره على يد ملك فارس. ويرجع سفر دانيال نهاية بلشاصر في هذه الليلة بأن «يد الله قد غضبت عليه لتدنيسه المقدسات»، خلال الحفل.

أنهار من الخمر احتفالًا بالنجاة من الموت: عرف سكان وادي النيل القدامى في مصر طريقة صنع الخمور، وكانوا يقيمون عيدًا سنويًّا وأسموه مهرجان السُكر، كان ذلك في عهد الملكة حتشبسوت، وكانت الاحتفالات بهذا اليوم ذات طابع ديني، وكان المصريون يحتفلون وسط أجواء من الخمر والفجور بخلاصهم من الموت، فيقضون أمسياتهم في الرقص على الموسيقى، وينخرطون في ممارسة الجنس العرضي، ولا يتوقفون عن شرب أكواب متتابعة من البيرة، حتى إذا ما عم الصباح، خرج الآلاف من المعابد إلى شوارع المدينة مخمورين فاقدي الوعي على نقر الطبول العالي، إعلانًا عن نهاية مراسم الاحتفال. ورغم ذلك لم ينظروا إلى الحفل على أنه جلسة شرب وجنس جماعية، بل هو احتفال مقدس في المعابد والأضرحة، وهو ميعاد الفيضان، لذا كان يُنظر إلى الأنشطة الجنسية أثناء الاحتفال على أنها وسيلة لاستجداء الفيضان للعودة وتخصيب الأراضي.

ضيوف البيت الأبيض: رغم قول الكثير بأن أندرو جاكسون حضر حفل تنصيبه رئيسًا لأمريكا دون موكب بسبب حداده على زوجته راشيل، لكن هذا الحداد لم يمنعه من إقامة أكبر احتفال في البيت الأبيض، الذي أعلن في هذا اليوم مكاناً مفتوحاً للجميع، إذ تناولوا الخمر بشراهة، وتناولوا 1400 كيلو من الجبن، ليتحول الحفل لأعنف حفل في تاريخ البيت الأبيض، فبعد دعوة الرئيس العامة للبيت الأبيض كان هناك ما يقرب من 20 ألف شخص جاءوا لشرب الخمر، ونشبت الخلافات بين الحاضرين، فمزقوا الأثاث والتحف دون تمييز، وطحنوا الجبن بأحذيتهم على سجاد البيت الأبيض وأرائكه، ودمروا المبنى التاريخي بأكمله تقريبًا، ليشهد الرئيس في يومه الأول في البيت الأبيض التدمير الذي لحق به، حتى إنه قفز من نافذة خلفية بمجرد أن بدأ الشجار، فأخذ طاقم البيت الأبيض يحاولون إيقاف الحفل الذي لم يتوقف حتى مع رمي الطعام والشراب من النوافذ، إلا بعد وعد عام بتوزيع الخمور المجانية إذا غادر الجميع المكان.

الحفل الأعظم في التاريخ يُسقط عرشاً: في سنة 1971، أقامت دولة إيران حفلة حصرية وفاخرة للغاية من أجل الاحتفال بمرور 2500 سنة على تأسيس الإمبراطورية الإيرانية، ولم يسبق للعالم أن شهد حفلاً بهذه الضخامة من قبل، قُدم فيها طعام أشهي الأطعمة على يد أفضل طهاة المطاعم الفاخرة في العالم، وقدمت فيها كذلك المشروبات الفاخرة، كما تميزت بديكور وزينة مستوحاة من القلاع الأوروبية في العصور الوسطى، وما يثير الاهتمام هو قائمة ضيوف الحفلة الذين تمثلوا في رؤساء وزعماء 65 دولة مختلفة، وأباطرة وملوك وملكات وأمراء وأميرات وشيوخ، وسلاطين ورجال أعمال من مختلف الخلفيات ، فلم يكن موقع الحدث قلعة قديمة أثرية ما أو فندقا سبعة نجوم، بل تم تنظيم الحفل من الصفر في وسط الصحراء الإيرانية القاحلة، من خلال تشييد خيم بلاستيكية، وقد تتساءل ما كانت تكلفة هذا الحفل،، في الواقع لم تكن تكلفة الحفلة بملايين الدولارات ولا بمليارات، بل كلّفت هذه الحفلة سلالة كاملة ترك السلطة ،هكذا كانت أغلى حفلة في تاريخ الإنسان هي آخر حفلة يقيمها الشاه رضا بهلوي.

نار تلتهم الحفل والضيوف: أقامت الملكة الفرنسية إيزابو البافارية مأدبة فاخرة في فندق سنتي بول في باريس، للاحتفال بزواج إحدى خادماتها، وبالأساس لرفع معنويات زوجها الملك شارل السادس، بعدما أصابه الجنون، وخطط لحفل الزفاف على أن تكون فقرته الرئيسية هي رقصة يشارك فيها الملك وخمسة من النبلاء، مرتدين زيًّا تنكريًّا على هيئة إنسان الغابة مصنوعًا من الكتان وألياف السنديان، ومليء بالشعر والفراء الذي يغطيهم من الرأس إلى القدم مع طبقة من الشمع، بدأ الملك عرضه ومعه رجاله، وبمجرد أن وصل شقيقه لويس دوق أوليانز ثملًا واقترب من دائرة الرقص بشعلة في يده أكثر من اللازم، حتى أشعل النيران في الملابس، لم يعرف أحد هل كان حقًّا يريد اغتيال أخيه، أم أنه فقد وعيه إلى هذه الدرجة، فبعض الراقصين احترقوا حتى الموت، وعندما رأى شارل رجاله وهم متفحمون أصبح مقتنعًا أنه مصنوع من الزجاج، وظل يركض حول القصر يعوي مثل الذئب. كان الحادث واحدًا من الأسباب لأن يطلق على الملك شارل المجنون.

post

نوافير الخمر: قام هنري الثامن ملك إنجلترا وفرانسيس الأول ملك فرنسا اجتماع عمل في فرنسا بالقرب من مدينة كاليه التي يحتلها الإنجليز، وكان الاجتماع لغرض سياسي، وقد بلغ حد الإسراف في التجهيز لهذا اللقاء، أن أُطلق على الوادي بعد انتهائه اسم «وادي الذهب». تضمنت خطة الاجتماع بناء نافورتين مملوءتين بالبيرة والنبيذ أمام القصر من أجل الضيوف، وتزينت الجدران والأرضيات بكم الهائل من الستائر والمفروشات المكلفة، بهدف إغراء كل طرف للآخر على مدار أسبوعين ونصف، هي مدة الاجتماع. ومن أجل هذا الاجتماع، صدر الأمر ببناء قصر ضخم، على يد 6 آلاف عامل، في وقت قياسي، قبل وصول الملوك مباشرة، في رغبة من الملكين لأن يصبح اجتماعهم حدثًا مشهودًا. وخلال أيام الاجتماع أعلن الملوك عن مبارزات ملكية ومنافسات على الأسلحة الثمينة.

وكأن المال والسلطة يدفعان العقل للتوقف عن التفكير، وتتحدث الشهوات بدلاً من العقل، فهذه هي الحقيقة التي تظهر في الحفلات العامة والخاصة، والتي كلفت خزائن الدولة مئات الآلاف، تحت إمرة ونظر رؤساء وحُكام اختلفت أسبابهم وحساباتهم في أقامه هذه الحفلات.

 

زر الذهاب إلى الأعلى