وقفة أمام “الربيع العربي” في العام العاشر للشرارة الأولى
روسيا اليوم
انطلقت شرارة ما يعرف بالربيع العربي في مثل هذا اليوم15 ديسمبر قبل 10 سنوات، حين أضرم بائع متجول تونسي النار في نفسه احتجاجا على ما تعرض له من قسوة من قبل سلطات بلاده.
تلك النار التي أوقدها البوعزيزي أصبحت بمثابة إشارة الانتفاضة التي اندلعت في بلد عربي مغاربي ثم تحركت شرقا في المنطقة مثل أحجار الدومينو لتطال عددا كبيرا من الدول العربية.
ويمكن القول في هذه المناسبة أن بلدين عربيين فقط تمكنا من الخروج بأقل الخسائر، ونجحا رغم الهزات العنيفة في استعادة الاستقرار ووقف العنف وانهيار مؤسسات الدولة، وهما تونس ومصر.
باقي الدول العربية التي عصف بها العنف الأعمى مثل ليبيا وسوريا واليمن، فقد غرقت في دوامات متتالية من الاقتتال، انهارت خلالها مؤسسات الدولة بل وفقد بعضها الكثير من مقومات السيادة ناهيك عن الاستقرار والأمن.
سقط حكم زين العابدين بن علي في تونس بسهولة مقارنة بالدول العربية الأخرى، وغادر بن علي البلاد إلى السعودية حيث وافته المنية، إلا أن الدولة التونسية تماسكت واجتازت الامتحان وإن تعرض الأمن العام للكثير من المخاطر والخروقات، إلا أن الاستقرار تحقق ولم تنهار مؤسسات الدولة ولم تقسم السلطة المركزية.
في مصر أيضا، اضطر الرئيس حسني مبارك إلى التخلي عن السلطة نتيجة الانتفاضة التي اندلعت في البلاد، ولم يترسخ الاستقرار هناك إلا بعد وصول عبد الفتاح السيسي إلى سدة الحكم في عام 2013 وقيامه بعزل الرئيس محمد مرسي، في أعقاب موجة انتفاضة ثانية.
أما ليبيا، فقد أسقط النظام بعد “العسكرة” السريعة للتمرد ضد نظام العقيد معمر القذافي، وتدخل حلف شمال الأطلسي الجوي في ليبيا، ما أدى إلى تدمير قدرات جيش البلاد، وبنهاية المطاف سقوط العاصمة طرابلس، ومقتل القذافي بعد أسره قرب مسقط رأسه في مدينة سرت في أكتوبر 2011.
ومنذ ذلك الحين انهارت مؤسسات الدولة الليبية، وتوالت فصول المواجهات العسكرية بين مختلف المليشيات والمناطق، وتجزأت السلطة المركزية بظهور حكومتين متنافستين واحدة في الشرق وأخرى في العاصمة طرابلس.
وعلى الرغم من المحاولات المتتالية بإشراف من الأمم المتحدة لضبط الأوضاع وإعادة الاستقرار إلى البلاد، إلا أن الاستقطاب الحاد يتواصل بتدخلاته الإقليمية والدولية وتستمر الفوضى.
المثال الثالث للتأثير المدمر لربيع العرب الدامي، يجري في سوريا حيث تقاتل دمشق منذ سنوات متمرددين وجماعات مسلحة من مختلف المشارب والجنسيات، علاوة على تواجد قوات تركية في قسم من أراضيها في الشمال.
تضعضعت الدولة السورية وتعرضت لضربات عنيفة من منظمات إرهابية مثل “داعش” و”القاعدة” وشبيهات لها أخرى، إلا أن دمشق تمكنت في السنوات الأخيرة من استعادة الكثير من مناطق البلاد التي سيطر عليها المتمردون، ودفع السوريون في السنوات الماضية ثمنا باهظا وقتلت أعداد كبيرة نتيجة دوامات العنف الأعمى المتوالية، وخاصة في السنوات الأولى للمحنة.
وبالمثل شهد اليمن مخاضا عسيرا في “ربيعه” وأسقط نظام الرئيس علي عبد الله صالح، إلا أن العنف القبلي تواصل وانتشرت أعمال العنف والفوضى، وصولا إلى سيطرة الحوثيين على صنعاء ثم مقتل علي عبد الله صالح، وتدخل أطراف إقليمية، وتكون حكومتين متنافستين في البلاد، ما تسبب في انهيار الأمن وسوء الأوضاع المعيشية التي وصلت حد المجاعة، ناهيك عن غياب الرعاية الصحية وأبسط مقومات الحياة، وتواصل اقتتال ما أن يهدأ حتى يبدأ من جديد.