ضوء الأدب اللاتيني
ماريو بارغاس يوسا
عبير ضاهر
السرور الذي إستشعره وهو قارىء صغير دفعه لإختيار الكتابة مهنة له بالإضافة إلى ذاكرة متقدة ومخيلة غير عادية شكلتها ظروف حياته الخاصة من الإنتقال المتكرر والعيش في ضواحى عدة مدن منذ صغره ليمثل حالة فريدة في كتابة الرواية
فقراءة عملاً واحداً له يدفع بالقارىء ليتسأل مأخوذاً بحالة من الدهشة والإعجاب معاً.. هل لىّ من عمل ثانِ لهذا الكاتب ؟!. ليبدأ في رحلة شيقة باحثاً فيكتشف الكنوز الأخرى التى أثرى بها ماريو بارغاس يوسا الأدب العالمى
فهو كاتب يعتنق الشغف مولع بالعناية عند إختيار موضوعات رواياته ووصفه آثر وساحر لدقائق التفاصيل ولايخلو أسلوبه من حس الدعابة والسخرية المحببة والمريرة نوعا ما وذلك من فرط ما يجتذب في أعماله من أحداث واقعية بالغة الوضوح والصدق أما وإن أُخذ عليه من قبل بعض النقاد ميله إلي الإيروسية في عدد من رواياته لجذب القارىء ولكن هذا القول بعيد عن الإنصاف فعدد كبير من أعماله تناولت معاناة شعب البيرو مع الإستعمار قديما ومع الأنظمة الفاشية حاليا هذا بالإضافة إلى أن أول رواية قام بكتابتها ونشرت له كانت تحمل أحداثها الكشف والتنديد بالإستبداد السياسي والأنظمة الديكتاتورية وتمدد كافة أشكال الفساد وماخلفه تحديدا من فقر مازال يهدد حياة الألاف في بلده وبلدان أغلب دول أمريكيا الجنوبية وقد جاء الولع والإفتتان الشديد بالتاريخ ليمهد
إلي أن يقدم في أدبه من خلال أعماله التى تصل إلى ثلاثون عملا أغلب تاريخ دول أمريكا الجنوبية والذى أضفى عليه لمسة سحرية وآلقا وبعدا شبه أسطوري
وكما أنتظر يوسا جائزة نوبل سنوات طوال وهو لها مستحق فإنه لم يعرف أن والده مازال حياً ليقابله فيما بعد إلا وهو في العاشرة من عمره إذ ظل يعتقد أنه توفي من سنوات فوالدته وعائلتها قاموا بإخفاء أمر إنفصالها وأبيه عنه والذى وقع عقب ولادته بشهور قليلة وقد يعود ذلك إلى أن الطلاق في ثلاثينيات القرن الماضي كان يعد مسألة معيبة ذلك وكما يتضح أن النظرة كانت منتشرة حينها وليس في أمريكا اللاتينية وحدها حيث مدينة أركوبيا بالبيرو مسقط رأسه حيث ولد في 28مارس من عام (1936)
وكان هو طفلهما الوحيد وقد قضى السنوات الأولى من طفولته بين عائلة والدته في بوليفيا وبعدما التقى بوالده عادا والديه وعاشا معا لفترة بإحدى ضواحى ليما وفي الرابعة عشرة أرسله والده إلى أكاديمية عسكرية في ليما وأثناء ذلك وقبل تخرجه منها إتجه إلى الكتابة للصحافة كهاو فعمل صحفيا بعدد من الصحف المحلية
وبعد وقت قليل وجد نفسه غريباً عما يقوم بدراسته فانسحب من الدراسة بالإكاديمية مفضلا عليها دراسة الأدب والقانون وقد نال فيهما الدكتوراه وإلتحق بالعمل في سلك التعليم الجامعي أستاذا ومحاضرا .وقد بدأ مسيرته الأدبية المبكرة عقب عمله في الصحافة إلا إنه وقت أن كان يدرس بالأكاديمية تأثر بما لمس ورأى من أوضاع معيشية فى ظل أجواء سياسية مضطربة وضاغطة فكتب روايته الشهيرة (المدينة والكلاب ) والتى أعقبها جدلا واسعا لم يهدأ إلا بإحراق ألف نسخة من الرواية علنا بالأمر من القائمين في الأكاديمية كما تم وقف نشر النسخة المكتوبة باللغة الأسبانية وعبر منحة دراسية تمكن من الإنتقال للدراسة في مدريد بأسبانيا ومن بعدها إتجه إلى فرنسا وهناك تبدد تصورا ورديا ربما عن الحياة هناك إذ وجد نفسه يتنقل بين الأزمات المادية التى لاتتوقف وحينها كان متزوجا من زوجته الأولى جوليا أوركيدى وشكل هذا تحدياً أمامهما ولكنهما فضلا البقاء بباريس وراح يكتب بغزارة لتغطية متطلباته المعيشية وظل زواجه بجوليا سبع سنوات ليتزوج بعدها بعام واحد من إبنة عمه باتريشيا وأنجبا ثلاثة أبناء وإمتد زواجهم حتى عام 2015 ليهجرها فيما بعد وإرتباطه بعلاقة غرامية بعارضة الأزياء الشهيرة إزابيل بريسيلر والذى أثارحفظية المقربون منه وبعض متابعوه و الصحافة ضده ولكنه لم يهتم كثيرا وقرر أن يعيش هذا الفصل من حياته
وربما بدافع من قناعة تتملكه بأن الأدب قادر على تغير الواقع أقدم على الترشح في إنتخابات الرئاسة في البيرو ولكنه خسرها مع أن الأدب قد أعطاه من الشهرة وقوة التأثر ما لم يحققه رؤساء بلدان كثير بأمريكا الجنوبية فسافر عقب ذلك إلى أسبانيا وهناك منح الجنسية في عام 1993 بجانب جنسيته الأصلية البيروفية ومازال يقيم بمدريد ويخصص من كل عام مدة ثلاثة شهور يقضيها في بيرو مع أهله كما يحرص على التواجد بالزيارة في لندن وباريس من وقت لأخر من أجل حضور المهرجانات والمناسبات والإحتفالات الأدبية المختلفة
وعلى الرغم من أنه تمني في صغره أن يعيش بباريس والتى ذهب في شبابه ليشتغل أستاذا للغة الأسبانية في مدرسة بارليتز بباريس ثم ينتقل بعدها إلى الصحافة والعمل في وكالة الأنباء الدولية الفرنسية فالإذاعة والتلفزيون الفرنسيين والتى كانت إذاعة فرنسا الدولية وقتها بحاجة إلى صحافيين يتحدثون بالفرنسية وذلك ضمن إتجاه لإستعادة مكانة فرنسا في الخارج وعمل إذاعة موجهة لأمريكا اللاتينية ويشيد يوسا هنا بدورالرئيس الفرنسي وقتها شارل ديجول في هذا القرار والنهج والذى عليه تم إلتحاقه بالإذاعة الفرنسية وإكتفي بالتجربة وبقى الغرام بالأدب الفرنسي ليستقر بمدريد وليس بباريس
تم ترجمة أعمال يوسا إلى ثلاثين لغة حول العالم ومن مؤلفاته:
البيت الأخضر , بانتليون والزائرات , حرب نهاية العالم, الفردوس على الناصية الأخرى الجنة أبعد قليلا , شيطانات الطفلة الخبيثة, امتداح الخالة, دفاتر دون ريجو بيرتو , حفلة التيس , المدينة والكلاب ,الجراء , حلم السلتى وقد بلغ عدد أعماله الثلاثين عملا بين رواية ومسرحية وسير ذاتية وقد تم ترجمتها إلى ما يقرب من ثلاثين لغة كما وله كتاب يحمل عنوان (رسائل إلى روائى شاب ) وفيه يقدم أديب نوبل النصح والدعم وشحذ الهمة مع تقديم وإستعراض فنون وتقنيات الكتابة الروائية للكتّاب الموهوبين من منهم بأول الدرب والمسيرة الأدبية والإبداعية
وقد حصل على جائزة نوبل للأداب في عام 2010 وجائزة (بلانيتا) و جائزة (أمير أستورياس الأدبية ) وجائزة (سيرفانتس) وغيرجائزة النقاد و مع كل جائزة يفوزبها بعد نوبل يتعمق بداخله الشعور بالفخر والإمتنا ن ومازال يكتب مسودات لروايات قادمة إذ يرى أن مامن فائدة للعيش إن انقطع عن الكتابة وأن الفوز بجائزة نوبل ليست نهاية الكاتب كما يتصور البعض في أنه لن يكون لديه من جديد ليكتبه ويقدمه أو أنه من بعدها يزحف إلى النهاية
أما علاقته بالصحافة فهى بعيدة ومستمرة فهو مازال يكتب في جريدة السلام الأسبانية في السياسة والثقافة كما يطرح أرائه الخاصة فيما يتعلق بالأحداث الجارية حول العالم .