محمد الجوهري يكتب « القلم بين الحق والضلال »
محمد الجوجري
لا أعرف ما الذي يجعلنا نتوقف أحياناً عن الكتابة ونشعر بأن شيء ما يشوش تفكيرنا رغم أننا في أحيان أخرى نظل نكتب حتى نظن إننا لن نتكلم إلا بكلماتنا على الورق أو الانترنت ، هل تحتاج الكتابة أحياناً إلى عناء ، أم أن المسألة تتطلب فقط بعض التركيز ، ليست المسألة بالسهولة التي نتخيلها لأن القلم يعد من الجمادات المتحركة المصاحبة للإنسان ، فالقلم يميل فقط إلى أصدقاؤه ومحبيه ويبتعد مطلقاً عن الزاهدين في معرفته ، فهو يتحرر دائماً من النفس الملولة ، ويضطرب من مزاحمة الأخبار والإعلانات الصاخبة ولا يسير كثيراً في ركاب المنافقين رغم محاولاتهم المستميتة لتسخيره ، ولكنه يأبى أن يكون عبداً لهوى كاذب أو لسان متسلق إن الكتابة الحقيقية تحتاج إلى قلم متحرر من الأسر والرغبات ، فإن تنظيم الكلمات في سطور معبرة يتطلع إلى مساحات واسعة وهدوء ذهني ، ولهذا فالقلم يبغض عالم السوشيال ميديا ويرفض أن يدور في فلكه ، وذلك لأن القلم لا يتسم بالاجتماعية المتعددة لأنها تتسبب في إزعاجه وإعاقته عن دوره في تنسيق الأشعار والعبارات .القلم لا يميل إلى تداخل الشركاء ، بل يهرب دائماً من الدردشة والزحام إلى الإنفتاح على عالمه الكبير حيث الطبيعة الساحرة والبحار الممتدة إلى آخر العالم ، فيبحث هناك عن الخواطر والأفكار التي ينثرها في فقرات تشبه دوائر اللؤلؤ ، أو قطرات الذهب والمرجان ، وربما ترسم في شكل نقاط سوداء أو سحب كثيفة ملبدة بغيوم الأحزان ، وذلك طبقاً لما يشعر به مالك القلم ، ولكن من هو المالك ؟مالك القلم ليس إنساناً مرفهاً ، بل هو يحمل أمانة وشرف الكلمة ، وهو يخاطب جميع الناس ولا يخالطهم ، بل هو دائم الغيرة على مالكه ، ولهذا يصعب على الكاتب في وقت الإلهام أن يخالط الآخرين ولهذا لاحظنا فشل بعض مشاهير الكتاب في حياتهم الشخصية وتحدث بعضهم عن غيرة القلم وتسلطه على محبيه ، ولسنا هنا في المكان والزمان المناسب لسرد أسماء هؤلاء الكتاب لأن الأفضل في نظري أن نبتعد عن الخصوصيات التي تتسبب في إزعاجنا كما تزعج أصحابها .في حقيقة الأمر تعد الكتابة هبة من الله لكل إنسان ، فالناس جميعاً يستطيعوا أن يكتبوا لتخرج أحزانهم على الأوراق وتروى مذكراتهم في بعض الصفحات ، وربما يصبح من بينهم من يهوى الكتابة ويدمنها حتى يصبح محترفاً ، أو يصبح روائياً مشهوراً ، وفي تلك اللحظة ربما يتحرر نهائيا ً من حياته الشخصية ليخرج إلى حياة الناس في كل العالم مما يجبره على الرحيل عن حياته و رغباته الشخصية ، أو يكون حكيماً بعض الشيء ويتحرر جزئياً ليكون قصصياً ناجحاً و لتبقى حياته الخاصة على ما يرام.
وللحديث بقية..