الهدي النبوي في المحافظة على البيئة “2”
بقلم د. شعبان عبد الحميد رفاعي
جامعة السلطان عبد الحليم معظم شاه الإسلامية العالمية (UniSHAMS)
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين؛ أما بعد: فقد تحدثنا في المقال السابق عن اهتمام الإسلام بعمارة الأرض ورعايتها، ووجوب عمارتها بالبناء والتنمية، وأن عمارتها، والمحافظة عليها مقصد من مقاصد الشريعة.
وفي هذه السطور بين منهج السنة النبوية في التأكيد على عمارة الأرض والمحافظة على البيئة؛ فقد حثت السنة المطهرة على الزراعة واعتبرتها سببا من أسباب تحصيل الثواب.
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْسًا، أَوْ يَزْرَعُ زَرْعًا، فَيَأْكُلُ مِنْهُ طَيْرٌ أَوْ إِنْسَانٌ أَوْ بَهِيمَةٌ، إِلَّا كَانَ لَهُ بِهِ صَدَقَةٌ».
كما دعت السنة إلى إحياء الأرض الموات بإعطائها لمن يزرعها، ولا يخفى ما في ذلك من محاربة ظاهرة التصحر التي تهدد كثيرا من الدول، وتلتهم مساحات شاسعة من الأرض.
عَنْ عُرْوَةَ، قَالَ: أَشْهَدُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى أَنَّ الْأَرْضَ أَرْضُ اللَّهِ، وَالْعِبَاد عِبَادُ اللَّهِ، وَمَنْ أَحْيَا مَوَاتًا فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ».
وكان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام؛ المحافظة على الزرع بكل أشكاله وأنواعه، والنهي عن الاعتداء عليه.
فقد كانت الأوامر تصدر إلى قادة الجيوش الإسلامية أن يحافظوا على كل مكونات البيئة؛ فلا يقطعوا شجرا إلا لمنفعة، ولا يخربوا عمرانا، والا يحرقوا نخلا ولا يأتوا بعمل من شأنه الإضرار بما خلق الله تعالى لعباده.
وقد أوصى أبو بكر يزيد بن أبي سفيان حين أرسله إلى الشام قائلا:” لا تَقتُلوا كَبيرًا هَرَمًا، ولا امرأةً، ولا وليدًا، ولا تُخَرِّبوا عُمرانًا، ولا تَقْطَعوا شَجَرَةً إلَّا لِنَفعٍ، ولا تَعقِرُنَّ بَهيمَةً إلَّا لِنَفعٍ، ولا تُحرِّقُنَّ نَحلًا ولا تُغرِقُنَّهَ”.
كما دعت السنة المطهرة إلى صيانة البيئة، وحمايتها من التلوث؛ وقد ترجمت هذه الدعوة إلى أحكام، وترجمت هذه الأحكام إلى تطبيقات عملية على مدار التاريخ الإسلامي.
فقد ربطت السنة قضية نظافة الأرض، والمحافظة عليها بقضية الإيمان؛ فعنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ – أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ – شُعْبَةً، فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الْإِيمَانِ»، والمراد بإماطة الأذى؛ تنظيف البيئة من كل ما يؤذي الإنسان من عوائق مادية أو معنوية.
ومن أبرز الأحكام ذات الدلالة على حماية البيئة من التلوث؛ ما جاء في السنة المطهرة من تشريع يوجب تطهير جميع الأماكن التي يرتادها المسلمون، وصيانتها مما يلوثها.
فعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:” اتَّقُوا الْمَلَاعِنَ الثَّلَاثَةَ: الْبَرَازَ فِي الْمَوَارِدِ، وَقَارِعَةِ الطَّرِيقِ، وَالظِّلِّ.
إن مظاهر حرص السنة على البيئة وحمايتها من التلوث كثيرة ومتعددة، وهذا ما سنشير إليه في المقال القادم إن شاء الله.