الهدي النبوي في الحفاظ على البيئة
د. شعبان عبد الحميد رفاعي
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين؛ أما بعد: فقد اهتم الإسلام بعمارة الأرض ورعايتها اهتماما خاصا، فالله سبحانه وتعالى عندما خلق الكون هيأ فيه من الظروف والأسباب ما يوفر الحياة السعيدة المستقرة.
قال تعالى:” اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ (32) وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ (33) وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ ” ( إبراهيم: 32-34).
ثم استخلف الإنسان ليقوم بإعماره على الوجه الأكمل الذي يحقق به مرضاة ربه وخدمة أمته، والكون من حوله؛ قال تعالى:” هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا”[هود 61].
وفي الآية الكريمة دليل واضح على وجوب عمارة الأرض بالبناء والتنمية، ووجوب المحافظة عليها من كل الأسباب التي تحول دون ذلك.
يقول الإمام الجصاص:” وقوله: ﴿اسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا﴾ يَعْنِي: أَمَدّكم مِنْ عِمَارَتِهَا بِمَا تَحْتَاجُونَ إلَيْهِ. وَفِيهِ الدَّلَالَةُ عَلَى وُجُوبِ عِمَارَةِ الْأَرْضِ لِلزِّرَاعَةِ، وَالْغِرَاسِ، وَالْأَبْنِيَةِ.
وقال تعالى:” هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ [فاطر: 39].
وواجب الاستخلاف يقتضي أن يحافظ المستخلف على البيئة التي خلقها الله تعالى له بحسن إدارتها، واستغلالها، والمحافظة عليها من أي تدمير وتخريب.
وبين سبحانه أن أكبر ما يهدد الحياة السعيدة المستقرة في هذا الكون؛ سفك الدماء والإفساد في الأرض؛ قال الله تعالى:”وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء” [البقرة: 30].
فالملائكة الكرام استشعروا أن الإفساد هو أكبر خطر يهدد الحياة في هذا الكون الذي خلقه الله تعالى.
يقول الطاهر بن عاشور:” وقولهم: أتجعل فيها من يفسد فيها دليل على أنهم علموا أن مراد الله من خلق الأرض هو صلاحها وانتظام أمرها وإلا لما كان للاستفهام المشوب بالتعجب موقع ”
ودلت نصوص الشريعة الغراء على أن عمارة الأرض، والمحافظة على البيئة مقصد من مقاصد الشريعة.
قال الطاهر بن عاشور:” وقد دلت آيات كثيرة على أن إصلاح العالم مقصد للشارع قال تعالى: فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم أولئك الذين لعنهم الله [محمد: 22، 23] وقال: وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد [البقرة: 205]
لذلك حذر الله تعالى من الإفساد الذي هو ضد الإعمار في أكثر من آية في كتابه الكريم؛ قال تعالى” وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ” [المائدة: 64]، وقال تعالى:” وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ” [البقرة: 205]، وقال:” وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ” [البقرة: 60].
يتبع في المقال التالي إن شاء الله.