أحكام زكاة الفطر وبيان المستحقين لها في زمن الكورونا
بقلم : د. عمرو حلمي
فرضت زكاة الفطر في رمضان في العام الثاني من الهجرة وكان ذلك قبل فرض زكاة المال.
وفيها نزل قوله تعالى : {قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى}.
وسميت بذلك لكونها تجب بالفطر من رمضان.
وقيل : لأنها صدقة النفوس , مأخوذة من الفطرة التي هي أصل الخلقة.
والحكمة من مشروعيتها طهرة للصائم من اللغو والرفث , وطعمة للمساكين كما جاءت بذلك الأحاديث الصحيحة.
حكم زكاة الفطر واجبة
فهي تجب على المسلم في نفسه , وهي زكاة بدن لا زكاة مال , وأنها تجب في ولده الصغار عليه , إذا لم يكن لهم مال وكذلك عبيده إذا لم يكن لهم مال.
وليس من شرط هذه الزكاة الغِنَى عند أكثرهم , ولا نصاب بل أن تكون فضلا عن قوته وقوت عياله.
شروط زكاة الفطر
أولا : أن يكون المُزَكِي والمُزَكَى عنه مسلماً.
ثانيا : أن يكون واجداً لقوته وقوت من تلزمه نفقته ليلة العيد, وطوال يوم عيد الفطر.
ثالثا : أن يوجد المُزَكِي والمُزَكَى عنه حياً في آخر نهار شهر رمضان, وأن يظل حياً حتى تغيب شمس ذلك اليوم بحيث يدرك جزءاً من ليلة عيد الفطر.
وعلى هذا فمن أدرك وقتاً من آخر يوم من رمضان , ثم مات بعد غروب الشمس, فإن الواجب إخراج الزكاة عنه.
ومن وُلِدَ بعد غروب شمس آخر يوم من رمضان بحيث لم يدرك جزءاً من شهر الصوم فلا صدقة عليه.
القيمة في زكاة الفطر سنة مأثورة متبعة عن كبار الصحابة
وعلى رأسهم أربعة من الخلفاء وهم : عثمان بن عفان, وعليِّ بن أبي طالب , ومعاوية بن أبي سفيان, وعبد الله بن الزبير.
ومن قال بالقيمة من الصحابة أيضاً : أبو هريرة وجابر بن عبد الله وعبد الله بن عباس , وأمه أسماء بنت أبي بكر.
وممكن قال بالقيمة من التابعين : الحسن البصري , والخليفة عمرو عبد العزيز.
وممكن قال بها من أئمة الحديث والفقه : أبو إسحاق السبيعي , وأبو بكر بن أبي شيبة , والبخاري , وسفيان الثوري.
وهو المختار في مذهب أبي حنيفة , والأشهب وابن القاسم عند المالكية , وابن تيمية إذا تعذر إخراج الطعام.
والأدلة على ذلك كثيرة منها :
أولا : قول النبي صلى الله عليه وسلم : «أَغْنُوهُمْ يَعْنِي الْمَسَاكِينَ عَنْ طَوَافِ هَذَا الْيَوْمِ».
والإغناء يتحقق بالقيمة ، كما يتحقق بالطعام ، وربما كانت القيمة أفضل ، إذ كثرة الطعام عند الفقير تحوجه إلى بيعها ، والقيمة تمكنه من شراء ما يلزمه من الأطعمة وغيرها.
ثانيا : أن النبي صلى الله عليه وسلم لما فرض زكاة الفطر من الأطعمة السائدة في بيئته وعصره ، إنما أراد بذلك التيسير على الناس ، ورفع الحرج عنهم.
فقد كانت النقود الفضية أو الذهبية عزيزة عند العرب ، وأكثر الناس لا يكاد يوجد عنده منها إلا القليل ، أو لا يوجد عنده منها شيء.
وكان الفقراء والمساكين في حاجة إلى الطعام من البر أو التمر.
لهذا كان إخراج الطعام أيسر على المُعْطِي ، وأنفع للآخذ.
والحكمة النبوية اقتضت أن تحدد مقادير الزكاة بالمعيار ولم تحدد بالدرهم ولا الدينار.
لأن القدرة الشرائية للنقود تتغير من زمن لآخر، ومن بلد لآخر ، ومن حال لآخر ، فلو قدر الواجب في زكاة الفطر بالنقود لكان قابلاً للارتفاع والانخفاض حسب قدرة النقود.
على حين يمثل الصاع من الطعام إشباع حاجة بشرية محددة لا تختلف ، فإذا جعل الصاع هو الأصل في التقدير فإن هذا أقرب إلى العدل ، وأبعد عن التقلب.
ثالثا : فعل الصحابة فقد أجازوا إخراج نصف الصاع من القمح؛ لأنهم رأوه معادلاً في القيمة للصاع من التمر أو الشعير ، ولهذا قال معاوية : «إني لأرى مُدَّين من سمراء الشام تعدل صاعًا من التمر».
قال ابن المنذر : «لا نعلم في القمح خبراً ثابتاً عن النبي يعتمد عليه , ولم يكن البر بالمدينة ذلك الوقت إلا اليسير منه , فلما كثر في زمن الصحابة رأواْ أن نصف صاع منه يقوم مقام صاع من شعير.
وهم الأئمة فغير جائز أن يعدل عن قولهم إلا إلى قول مثلهم».
ثم أسند عن عثمان وعليّ وأبي هريرة وجابر وابن عباس وابن الزبير وأمه أسماء بنت أبي بكر بأسانيد صحيحة : «أنهم رأواْ أن في زكاة الفطر نصف صاع من قمح».
كما يعد سكوت النبي عن القيمة من أهم الأدلة على مشروعيتها , إذ لم يرد عنه تصريح بعدم جوازها , فدل هذا على مشروعيتها.
المستحقون لزكاة الفطر في زمن كورونا
ففي ظل جائحة كورونا التي اجتاحت العالم كله فلم تسلم منها أي دولة وترتب على ذلك خسائر كبرى خسائر بشرية واقتصادية وارتفعت نسبة الفقر في العالم كله وبالتالي زاد عدد الفقراء في كل دولة.
كما عجزت المؤسسات الصحية والطبية في العالم عن مواجهة هذه الجائحة فلم تعد قادرة على استيعاب جميع الحالات المصابة بهذه الكورونا.
وكذلك فإن المستلزمات الطبية المتاحة حالياً في جميع المؤسسات الصحية والطبية لم تعد كافية خصوصا في المستشفات التي تتعامل مع جائحة كورونا وأخص بالذكر مستشفيات الصدر والحميات وكذلك مستشفيات الحجر والعزل الصحي.
والله تعالى جعل من مصارف الزكاة أن تُخْرَجَ{لِلْفُقَرِاءِ}وأن تُخْرَجَ كذلك{فِي سَبِيْلِ الله}
ولأن الإسلام اعتبر الصبر زمن الجوائح جهاد في سبيل الله وأن الذي يموت فيها له أجر الشهيد.
كما في الحديث الصحيح :” ليس من عبد يقع الطاعون فيمكث في بلده صابراً يعلم أنه لن يصيبه إلا ما كتبه الله له إلا كان له مثل أجر الشهيد”.
ففي هذا الحديث: من جلس في بيته زمن الوباء صابراً محتسباً متوكلاً سواء مات بالوباء أو لم يمت, كان له أجر الشهيد.
ونحن في زمن الجائحة نعد في سبيل الله نجاهد الوباء صابرين محتسبين الأجر والمثوبة عند الله.
لذا أصبح من الضروري وجوب إخراج الزكاة هذا العام والأعوام القادمة إن شاء الله لصالح الفقراء الذين تضرروا من جراء هذه الجائحة.
وبعد أن يستوفي الفقراء حقهم يعطى ما تبقى من أموال الزكاة لصالح المؤسسات الصحية والطبية التي تبذل قصاري جهدها في مواجهة هذه الجائحة.
فهي المَعنية بقوله تعالى {وفي سبيل الله} في هذا الصدد.
على أن تنفق هذه الأموال بمعرفة الجهات المختصة في شراء جميع المستلزمات الطبية والصحية اللازمة لمواجهة فيروس كورونا , وفي الحديث الشريف : ” داووا مرضاكم بالصدقة”.
فلنخرج زكاة المال وكذلك زكاة الفطر إن شاء الله لصالح هذا الأمر.
مقدار زكاة الفطر
صاع عن كل مسلم ومسلمة ممن توافرت فيهم الشروط المذكورة.
والصاع بالأوزان المعاصرة يساوي 2,5كجم من طعام البلد السائد مثل الأرز والقمح في مصر.
والذي قدرته دار الإفتاء المصرية هذا العام 1442هـ الموافق2022م بما يساوي بالجنيه المصري 15جنيها فقط لا غير كحد أدني , وقد اعتمدوا في ذلك على سعر القمح هذا العام باعتباره طعام أهل مصر السائد.
وأما وقت إخراج زكاة الفطر
فهو ممتد في رمضان كله حتى وقت صلاة العيد.
وأفضل وقت لإخراجها في ليلة العيد ويجوز تعجيل خروجها في أول رمضان كما فعل العباس عم النبي صلى الله عليه وسلم وأقره النبي على ذلك.
وأما من تخلف عن إخراجها في الوقت المحدد لها وجب عليه قضاءها لأنها صارت دين في عنق صاحبها, ودين الله أحق بالسداد.
هذا والله أسأل أن يرفع البلاء والوباء عن البلاد والعباد اللهم آمين