مكانة غزوة بـدر الكبرى في تاريخ الإسلام

بقلم : د. عمرو حلمي

تعد غزوة بدر الكبرى هي المعركة المسلحة الأولى في تاريخ الإسلام والتي كانت في ١٧ رمضان ٢هـ / الموافق ١٣ مارس ٦٢٤م.

وترجع أهمية غزوة بدر الكبرى إلى أنها ليست حدثا تاريخيا ولى زمانه مع أحداث التاريخ الإسلامي ، ولكنها مَعْلَمَةٌ ومنارٌ ينير للمسلمين في كل زمان طريق العزة والحياة الطيبة الكريمة طريق المنهاج النبوي تربية وتنظيما وزحفا , وهي معنىً متجددٌ في الأمة متى قامت لتحق الحق وتبطل الباطل.

وغزوة بدر الكبرى تعرف بيوم الفرقان ذلك اليوم الفاصل في تاريخ الإسلام والذي فرق الله فيه بين الحق والباطل قال تعالى : {إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللَّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ ۗ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}[الأنفال ٤١] , فكان ذلك في رمضان , و فيه أنزل الله الملائكة للمشاركة في الجهاد مع الفئة المؤمنة , وقيادة النبي صلى الله عليه وسلم للمعركة.

وفي هذا اليوم خير برهان على أن الذين ينصرون الله في أنفسهم ويأخذوا بكل الوسائل المشروعة لما يقدمون عليه فإن الله سبحانه لن يتخلى عنهم , ويكون الظهور لهم على أعدائهم مهما تكن قوتهم , ومن هنا لا يهاب المسلم قوة في الأرض ما دام يحمل في قلبه قوة الإيمان , والحرص على النصر أو الشهادة.

قال تعالى :{إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم}[محمد٧] , وقال تعالى :{كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله}[البقرة ٢٤٩].

أسباب غزوة بدر الكبرى

ترجع إلى أن كفار مكة أخرجوا المؤمنين منها , وترك هؤلاء أموالهم وديارهم فداء لعقيدتهم, لقد حاولت الجاهلية ما استطاعت وأد الدعوة الجديدة , بيد أن كل محاولاتها باءت بالهزيمة ومع هذا لم تدع الدعوة الإسلامية في مهجرها آمنة تبلغ كلمة الله , فلقريش مكانتها بين القبائل العربية , وكانت هذه المكانة تحول بين الدعوة وتبليغ كلمة الله.

فكان لا مناص من عمل إيجابي يقضي على ما كانت تتمتع به قريش من نفوذ , ليصبح الطريق إلى الإسلام خالياً من الأشواك والعقبات.

فكان الإذن للمؤمنين بالقتال انتصاراً للحق والعدل , وقضاء على الباطل والظلم , قال تعالى:{أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير}[الحج ٣٩].

وهذا الإذن بالقتال لم يكن حباً في القتال ذاته , فالإسلام دين سلام , ولكن هذا الإذن من أجل تحقيق الحرية الدينية لكل إنسان , وأيضاً من أجل أن تظل كلمة الله هي العليا , وكلمة الذين كفروا السفلى , ومن ثم يخضع القتال في الإسلام لمبادئ وقواعد تجعل منه وسيلة لنصرة المستضعفين ومقاومة الضالين والمفسدين وحماية الحياة الإنسانية من الطغاة والقاسطين.

وهذه المعركة فرض على المسلمين أن يدخلوها دون أن يكونواْ قد هيئوا أنفسهم لها , فهم قد خرجواْ من المدينة لينالواْ من القافلة التجارية التي عاد بها أبو سفيان بن حرب من الشام بأموال وفيرة.

ولم يكن المسلمون قُطَّاع طر ق , ولكنهم خرجوا ليحصلوا على بعض ما تركواْ من أموالهم في مكة قبل الهجرة , استولى عليها المشركون.

وعرف أبو سفيان أن المسلمين يتربصون به ليغنمواْ من القافلة فغيَّر مسارها , ونجا بالتجارة , بيد أنه كان قد بعث لقريش يستحثها لنجدته , فخرجت بخيلائها وصناديدها لا من أجل استنقاذ الأموال فحسب , وإنما من أجل الأخذ على أيدي هؤلاء الذين تجرئواْ على التعرض لتجارتها, وليعرف العرب عنهم أنهم قوة لا تُغْلب فلا يزالون يهابونهم.

ووجد المسلمون أنفسهم في مواجهة قوة تربو ثلاثة أضعاف على عددهم , ولديها من الأسلحة والدواب ما ليس لدى المسلمين, ولكنهم مع هذا لم يهابواْ المواجهة.

ودارت المعركة بين الفئة القليلة في عددها وعتادها ولكنها كثيرة في إيمانها وفدائها , وبين الفئة الكثيرة في عددها وأوزارها, ولكنها قليلة أو فقيرة في عقيدتها وأهدافها.

ووقف الرسول صلى الله عليه وسلم القائد يستنصر ربه حتى أشفق عليه أبو بكر من كثرة دعائه , وأنزل الله ملائكته فقاتلوا مع المسلمين جموع المشركين , ولقد سجل القرآن الكريم هذه الغزوة في سورة الأنفال المعروفة بسورة بدر , كما جاء الحديث عنها في سورة آل عمران , وأسفرت المعركة التي قادها الرسول صلى الله عليه وسلم لأول مرة في تاريخ البعثة عن نصر مبين للمسلمين وهزيمة منكرة للمشركين.

وقد غنم المسلمون في هذه الغزوة غنائم كثيرة , وقد استشهد فيها أربعة عشر صحابياً وقُتِلَ سبعون من المشركين كان من بينهم فرعون هذه الأمة ورأس الكفر أبو جهل , وكذلك أُسِرَ من كفار قريش نحو سبعين رجلا.

كما استشار الرسول صلى الله عليه وسلم الصحابة في شأن الأسرى , فكان من رأي أبي بكر العفو عنهم وأخذ الفدية منهم لعلهم يهتدون بعد ذلك, وكان من رأي الفاروق أن يقتلواْ لأنهم كذبوا رسولهم وآذوه وآذوا أصحابه , ومال الرسول إلى رأي الصديق , ثم نزل القرآن : {ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض}[الأنفال٦٧] , ويريد بالإثخان التقتيل حتى تضعف شوكة المشركين وتشتد شوكة المسلمين , وهذا ما كان ينبغي قبل أن يكون للنبي والمسلمين أسرى يستبقونهم ويطلقونهم بالفدية كما حدث في بدر , ولهذا عاتب الله المسلمين في ذلك.

وهناك معنى آخر يراد تقريره في النفوس وتثبيته في القلوب, وذلك هو المعنى الكبير الذي عبر عنه عمر في صرامة وهو يقول : “وحتى يعلم الله أن ليس في قلوبنا هوادة للمشركين”.

هذا وسنتعرف على الدروس المستفادة من غزوة بــدر الكبـرى في المقال القادم إن شاء الله.