أقباط مصر وصية الإسلام الكبرى
أقباط مصر وصية الإسلام الكبرى
بقلم : عمرو حلمي
أقباط جمع قبط وهي كلمة يونانية الأصل وتعني سكان مصر أو أهل مصر فهي شاملة لكل مصري , مسلم أو غير مسلم , كما استخدمت كلمة قبط في اللغة الإنجليزية بهذا المعني ( EGYPT) , وتعني المصري , ثم صارت تطلق في العرف السائد على مسيحي مصر.
وأهل مصر هم أخوال العرب لأن منهم السيدة هاجر زوج النبي إبراهيم , وأم النبي إسماعيل عليهم السلام.
وهم كذلك أخوال المؤمنين لأن منهم السيدة مارية أم المؤمنين رضي الله عنها , زوج النبي صلى الله عليه وسلم.
فمن هنا جاءت وصية النبي بأهل مصر خيراً :
إذ يقول : «إِنَّ اللهَ سَيَفْتَحُ عَلَيْكُمْ بَعْدِي مِصْرَ، فَاسْتَوْصُوا بِقِبْطِهَا خَيْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مِنْهُمْ صِهْرًا وَذِمَّةً».
وقال : «إِنَّكُمْ سَتَقْدُمُونَ عَلَى قَوْمٍ، جُعْد رُءُوسُهُمْ، فَاسْتَوْصُوا بِهِمْ خَيْرًا، فَإِنَّهُمْ قُوَّةٌ لَكُمْ، وَبَلاغٌ إِلَى عَدُوِّكُمْ بِإِذْنِ اللهِ» يعني : قبط مصر.
كما أوصى عند وفاته، قائلاً : «اللهَ اللهَ فِي قِبْطِ مِصْرَ، فَإِنَّكُمْ سَتَظْهَرُونَ عَلَيْهِمْ، وَيَكُونُونَ لَكُمْ عُدَّةً وَأَعْوَانًا فِي سَبِيلِ اللهِ».
وقال : «اسْتَوْصُوا بِالْقِبْطِ خَيْرًا، فَإِنَّكُمْ سَتَجِدُونَهُمْ نِعْمَ الْأَعْوَانُ عَلَى قِتَالِ عَدُوِّكُمْ».
وقال : «اسْتَوْصُوا بِالْأُدْمِ الْجُعْدِ , قِبْطُ مِصْرَ؛ فَإِنَّهُمْ أَخْوَالٌ وَأَصْهَارٌ، وَهُمْ أَعْوَانُكُمْ عَلَى عَدُوِّكُمْ، وَأَعْوَانُكُمْ عَلَى دِينِكُمْ».
وقال : «اللهَ اللهَ فِي أَهْلِ الذِّمَّةِ، أَهْلِ الْمَدَرَةِ السَّوْدَاءِ، السُّحْمِ الْجِعَادِ؛ فَإِنَّ لَهُمْ نَسَبًا وَصِهْرًا».
وقال : «استَوْصوا بالقِبْطِ خيرًا؛ فإنَّ لهم ذِمَّةً ورَحِمًا»، ورَحِمُهم : أن أمَّ إسماعيل عليه السلام منهم
هذا وما حدث من قتل للأبرياء من أهل الذمة من قبط مصر , وترويع للآمنين منهم هو من الإفساد في الأرض.
ولقد نهى القرآن الكريم عن الفساد في الأرض , قال تعالى : {وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ [سورة الأعراف آية (56)].
قال ابن كثير رحمه الله تعالى : “ينهى تعالى عن الإفساد في الأرض، وما أضره بعد الإصلاح ، فإنه إذا كانت الأمور ماشية على السداد ، ثم وقع الإفساد بعد ذلك ؛ كان أضر ما يكون على العباد ، فنهى تعالى عن ذلك”.
وقال القرطبي رحمه الله تعالى : “نهى سبحانه وتعالى عن كل فساد ، قلّ أو كثر بعد صلاح قلّ أو كثر ، فهو على العموم على الصحيح من الأقوال”.
فمن خلال فهمنا للآية الكريمة , وتفسير العلماء لها يمكننا وصف ما حدث من قتل للأبرياء من أهل الذمة وترويع الآمنين منهم جريمة شنعاء بكل المقاييس ، وذلك للأسباب الآتية :
أولاً : في هذا القتل والترويع هَتْكٌ لحرمات الإسلام المعلومة بالضرورة ؛ هَتْكٌ لحرمة الأنفس المعصومة ، وهَتْكٌ لحرمات الأمن والاستقرار وحياة الآمنين المطمئنين في مساكنهم ومعايشهم ، وغدوهم ورواحهم، وهَتْكٌ للمصالح العامة التي لا غنى للناس في حياتهم عنها ، وما أبشع وأعظم جريمة من تجرأ على حرمات الله ، وظلم عباده ، وأخاف المسلمين ، والمقيمين بينهم ، فويلٌ له ، ثم ويلٌ له من عذاب الله ونقمته ، ومن دعوة تحيط به،نسأل الله أن يكشف ستره ، وأن يفضح أمره.
ثانياً : أن النفس المعصومة في حكم شريعة الإسلام هي كل مسلم ، وكل من بينه وبين المسلمين أمان ، كما قال الله تعالى :{ وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} [سورة النساء آية (93)].
وقال سبحانه في حق الذمي في حكم قتل الخطأ : {وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةً}[سورة النساء آية (92)]
فإذا كان الذمي الذي له أمان، إذا قتل خطأً ؛ ففيه الدية والكفارة فكيف إذا قُتل عمداً؟ فإن الجريمة تكون أعظم ، والإثم يكون أكبر، وقد صح عن النبي (صلى الله عليه وسلم) أنه قال: «مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا بِغَيْرِ حَقٍّ لَمْ يَرَحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ وَإِنَّهُ لَيُوجَدُ رِيحُهَا مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا». [رواه البخاري].
ومن أدخله ولي الأمر المسلم بعقد أمان وعهد فإن نفسه وماله معصوم لا يجوز التعرض له ، ومن قتله فإنه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : «لم يرح رائحة الجنة» , وهذا وعيد شديد لمن تعرض للمعاهدين.
ولما أجارت أم هانئ رضي الله عنها رجلاً مشركاً عام الفتح وأراد علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن يقتله ذهبت للنبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته فقال صلى الله عليه وسلم :«قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ».
وعليه فلا يجوز التعرض لمستأمَنٍ بأذى فضلاً عن قتله في مثل هذه الجريمة الكبيرة النكراء وهذا وعيد شديد لمن قتل معاهداً ، وأنه كبيرة من الكبائر المتوعد عليها بعدم دخول القاتل الجنة ، نعوذ بالله من الخذلان.
ثالثاً : إن هذا العمل الإجرامي يتضمن أنواعاً من المحرمات في الإسلام بالضرورة من غدرٍ ، وخيانة ، وبغي ، وعدوان ، وإجرام آثم ، وترويع للمسلمين وغيرهم ، وكل هذه قبائح منكرة ، يأباها ويبغضها الله ورسوله صلى الله عليه وسلم , والمؤمنون.
مواقف للسلف في معاملة أهل الذمة :
منها : ما رواه مسلم في “الصحيح” : أَنَّ هِشَامَ بْنَ حَكِيمٍ رضي الله عنه وَجَدَ رَجُلاً وَهُوَ عَلَى حِمْصَ يُشَمِّسُ نَاسًا مِنَ الْقِبْطِ فِى أَدَاءِ الْجِزْيَةِ فَقَالَ مَا هَذَا إني سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ :«إِنَّ اللَّهَ يُعَذِّبُ الَّذِينَ يُعَذِّبُونَ النَّاسَ فِى الدُّنْيَا».
ومنها : ما رواه ابن سعد في الطبقات : أن حيان بن شريح عامل عمر بن عبد العزيز على مصر كتب إليه «إن أهل الذمة قد أسرعوا في الإسلام وكسروا الجزية فكتب إليه عمر أما بعد فإن الله بعث محمدا داعيا ولم يبعثه جابيا فإذا أتاك كتابي هذا فإن كان من أهل الذمة أسرعوا في الإسلام وكسروا الجزية فاطو كتابك وأقبل»
ومنها : قتال عليِّ بن أبي طالب رضي الله عنه الخوارج لاستحلالهم أهل الذمة
وهذا ثاب فيما رواه البيهقي في”السنن الكبرى” عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أنها قالت لعبد الله بن شداد بن الهاد في شأن قتال علي للخوارج : « يَا ابْنَ شَدَّادٍ فَقَدْ قَتَلَهُمْ . فَقَالَ : وَاللَّهِ مَا بَعَثَ إِلَيْهِمْ حَتَّى قَطَعُوا السَّبِيلَ وَسَفَكُوا الدِّمَاءَ وَقَتَلُوا ابْنَ خَبَّابٍ وَاسْتَحَلُّوا أَهْلَ الذِّمَّةِ فَقَالَتْ آللَّهِ قُلْتُ آللَّهِ الَّذِى لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ لَقَدْ كَانَ».
نعوذ بالله من شر الفتن ما ظهر منها وما بطن
وقي الله مصر شر الخيانة.