معايير الجودة في لحوم الأضحية من منظور طبي صحي إسلامي

تقرير : د. عمرو حلمي
بمناسبة اقتراب عيد الأضحى واستعداد المسلمون بذبح الأضاحي كان لجريدة «نبض الوطن» هذا اللقاء مع الطبيبة البيطرية د. رباب عادل الشيتي – رئيس قسم الإرشاد بإدراة مصر القديمة بمديرية الطب البيطري بالقاهرة. والتي تطلعنا على :
أهم معايير الجودة في لحوم الأضحية من منظور طبي صحي إسلامي.
بداية تقول د. رباب الشيتي : اقترب عيد الأضحى واستعد المسلمون له فمنهم من يذبح الأضاحي تقرباً للمولى عز وجل , ومنهم من يشترى اللحم كسنة مؤكدة , لما في ذلك من التعظيم لشعائر الله.
وقال تعالى : {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج32].
وقال تعالى : {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ} [الحج34].
وقال تعالى : {لَنْ يَنَالَ اللهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى} [الحج37].
كيفية اختيار لحوم الأضحية المشتراة أو المذبوحة كأضحية :
قالت د. الشيتي : من واجبنا كأطباء بيطريين إرشاد الناس عن كيفية اختيار لحوم الأضحية المشتراة أو المذبوحة كأضحية وذلك من خلال عدة أمور منها :
أولاً : بالنسبة لشراء اللحوم يجب أن تكون طازجة وصحية خالية من الأمراض المختلفة , لذلك ينبغي شراء الذبائح من داخل المجازر الحكومية المرخصة لضمان سلامتها وخلوها من الأمراض.
وأن تكون مختومة بالأختام الصحيحة , وتشمل أنواع الأختام منها :
الختم الدائري : للحيوانات الصغيرة من البقر والجاموس والجملي الصغير.
والختم المربع : للّحوم الكبيرة من البقر والجاموس والجمل , وكذلك الختم المربع : للماعز والضأن.
والختم السداسي البنفسجي : للحوم المستوردة.
ثانياً : معرفة جودة اللحوم من خلال اللون وهو الأحمر الوردي أو الأحمر القاني حسب نوع كل حيوان سواء صغير أو كبير المصوب بالرائحة الجيدة للحم.
وأيضاً يتميز اللحم الطازج بتماسك الأنسجة حتى عند الضغط عليها بالأصبع.

FB IMG 1657199629683
بينما اللحوم الفاسدة تبقى علامة الأصبع واضحة وتصدر منها رائحة كريهة نتيجة تفسخ الأنسجة والغازات التي تفرزها البكتريا على السطح وتحللها بفعل البكتريا , ويكون لونها رمادي أو قاتم أو أخضر عند التعفن وهو واضح بالعين المجردة , وأيضاً ألا يكون ملمسها لزج الناتج عن الفساد.
والمجازر الحكومية المرخصة تستبعد الحيوانات المريضة بل يتم إعدامها أو إعدام الأجزاء المصابة حسب رأى طبيب المجزر بعد الفحص الكلى.
لذلك يجب على المستهلك الشراء من مصدر موثوق منه لأن الحيوان المريض والمذبوح خارج المجزر بصورة غير قانونية من الممكن أن ينقل الأمراض المختلفة للإنسان , بالإضافة إلى أن لحومها تكون كثيرة النزف المدمم لعدم النزف الكلى للحيوان المذبوح المريض والمحموم والدم وسط جيد لنمو وتكاثر البكتريا.
أهمية اللحوم الحمراء :
وقالت د. الشيتي : تعد اللحوم الحمراء هي المصدر الرئيسي الجيد للأحماض الأمينية اللازمة للجسم ومصدر للفيتامينات المختلفة (ب١٢) و (ب6) وفيتامين (ه‍ , و, د) , بالإضافة إلى المعادن المختلفة كالحديد الذي يقي من الإصابة بالأنيميا , والزنك والسيلينيوم والفسفور وفيتامين (ك).

FB IMG 1657199627578
طرق تجميد اللحوم وحفظها بطريفة صحية وآمنة :
وقالت د. الشيتي عند تجميد اللحوم وحفظها بطريفة صحية وآمنة ينبغي مراعاة الخطوات التالية :
أولاً : يجب ترك اللحوم المذبوحة سواء كانت للأضحية أو غيرها فترة زمنية لا تقل عن ساعتين قبل تخزينها وحفظها في الثلاجات أو الفريزر.
حتى تمر بعملية «التيبس الرُمِّي» – مصطلح لاتيني للتصلب لما بعد الموت , و«التيبس الرُمِّي» : هي عملية تحدث بعد الذبح نتيجة حدوث عدة تفاعلات في جسم الحيوان المذبوح ينتج عنها طراوة في اللحم وزيادة في القيمة الغذائية.
كما ترجع أهمية «التيبس الرُمِّي» إلى أنه أثناء حياة الحيوان تكون عضلاته إما متعادلة التفاعل , أو قلوية قليلاً , ثم لا تلبث أن تتحول بعد الذبح إلى وسط حامضي نتيجة تكوين وتراكم حمض اللاكتيك والفورميك , وكذلك فوسفات البوتاسيوم , والتي لها أهمية كبيرة في حدوث انتفاخ بالنسيج الضام الموجود بين العضلات داخل اللحوم حيث يؤدي ذلك إلى تفككه وعليه يجعل اللحوم أكثر طراوة وتعد هذه العملية إنضاج للحوم.
كما يلعب «التيبس الرُمِّي» دوراً مهماً في تحديد جودة اللحوم وإطالة فترة تخزينها كي تظل صالحة للاستهلاك الآدمي دون إضافة أي مواد حافظة حيث إن الوسط الحامضي للحوم المتيبسة كفيل بتثبيط ميكروبات التعفن وعليه تأخير حدوث فساد اللحوم.

FB IMG 1657199625318
كذلك يمثل «التيبس الرُمِّي» أهمية بالغة في تحديد درجة الجودة للحوم من خلال قياس وسط اللحوم المعروف بـ الأس الهيدروجيني «PH» , والذي يتحول من الحامضية إلى القلوية بتطور مراحل الفساد.
ثانياً : ينبغي عدم غسل اللحوم قبل وضعها في الفريزر لأنه يفقدها قيمتها الغذائية وتقطع حسب الاستخدام اليومي.
ثالثاً : كما ينبغي مراعاة تقطيعها مباشرة حسب الاستخدام اليومي ووضعها في أكياس بيضاء نظيفة أو في أطباق الفوم وتغليفها وتفريغها من الهواء ووضعها في الثلاجة عند درجة حرارة من (1-4) درجة مئوية , على أن تستخدم خلال شهرين مع مراعاة عدم فصل الثلاجة أو انقطاع الكهرباء حتى لا تفقد اللحوم سوائلها وقيمتها الغذائية.
رابعاً : كما ينصح بوضع اللحوم في الرف الذي يلي منتجات الألبان من جبن وزبد ولبن أي تحتها حتى لا تتلوث من سوائل اللحم المختلفة.
معايير الجودة في استخدام الكبدة
وقالت د. الشيتي : وكذلك الكبدة عند تسويتها لا تغسل وإنما يضاف إليها الليمون أو بعض الخل وتترك عشر دقائق وتسوى جيدا قبل الأكل.
مع ملاحظة أي تغير في لون الكبدة من الداخل أو وجود ديدان الفاشيولا التي ترى بالعين المجردة على شكل ورقة شجر طولها يصل إلى ٣سم , أو تغير في الرائحة أو وجود حويصلات مائية داخل النسيج الكبدي , يجب في تلك الحالات إعدامها وعدم تناولها.
معايير اختيار لحوم الأضاحي في اللحم الضاني (الخِرَاف /النِعاج)
قالت د. الشيتي : عند شراء الخروف الحي ينبغي ألا يكون هزيلاً ونعرف ذلك بمرور اليد على ظهر الخروف. فإذا وجدنا فقرات العمود الفقري واضحة كان الخروف نحيفاً.
وينبغي أيضاً أن يمتلئ اللحم ما بين عظمتي الحوض في الخلف , ونعرفه أيضاً عن طريق الجس باليد.
كما ينبغي أن يكون الخروف خالياً من الأمراض الجلدية وذلك بأن يكون الصوف سليماً خالياً من الجرب. ونعرف ذلك من خلال صحة الصوف وقوته ولمعانه , وعدم وجود فراغات على الجلد وعدم انتزاعه بسهولة.
كما ينبغي كذلك أن يكون الخروف خالياً من أمراض الإسهال ويعرف ذلك بنظافة إلية الخروف وعدم اتساخها ببقايا الروث.
كما ينبغي كذلك أن يكون الخروف خالياً من الأمراض التنفسية وذلك بعدم خروج مخاط لزج من الأنف أو وجود سعال.
كما ينبغي على المضحي أن يقوم برفع الخروف للخلف لمعرفة حجم الكرش لأن بعض التجار يقومون بإعطاء الغنم كمية كبيرة من الماء أثناء الشرب وذلك بعد تقديم الملح لها فتمتلئ الكروش بالماء للحصول على وزن أعلى وهذا من الغش التجاري.
ينبغي كذلك أن تكون الخراف نشيطة ولا يبدو عليها أي علامات مرضية سليمة من العرج والعور والعمى وغير مقطوعة الذيل أو أي عضو من أعضائها.
من معايير الجودة في استخدام رؤوس الغنم أن تكون خالية من داء نغف الغنم
وقالت د. الشيتي : من معايير الجودة في رؤوس الغنم أن تكون خالية من داء نغف الغنم
و«نغف الغنم» : هو مرض يصيب الغنم نتيجة وجود ذبابة النغف بنية اللون تصيب أنف الغنم وتضع بيضها فيه حتى تفقس وتصبح ديدان تصل لتجويف المخ والدماغ.
فإذا وجدت ديدان في رأس الغنم ينبغي إعدامها عن طريق التخلص منها وعدم تناولها.
كما ينبغي الانتباه عند شراء الرأس وحدها فإذا وجدنا الجزار عند كسرها للمستهلك ينزل منها ماءاً غزيراً فهي في هذه الحالة غير صالحة لأنها تكون مصابة بداء النغف.
طرق انتقاء حيوان الأضحية
كما بينت د. الشيتي طرق انتقاء حيوان الأضحية سواء كان من الضأن أو الماعز أو البقر أو غيرها فيما يلي :
أولاً : أن يكون الحيوان خالياً من العيوب البينة كالعرج والعمى والعور ولا يكون هزيل أو مكلوم بالطعام يعني أكل زيادة عن طاقته مما يعرضه للهلاك.
ثانياً : أن يكون الحيوان خالياً من الأمراض التنفسية بالنظر إلى الأنف بوجود الإفرازات دليل على مشكلة في التنفس أو مرض تنفسي.
ثالثاً : يجب أن يكون الحيوان ممتلئ اللحم , ويمكن معرفة ذلك من خلال وضع كف اليد ما بين الحوض والعظمتين البارزتين فإذا كانت ممتلئة باللحم فهذا دليل على امتلاء الحيوان باللحم.

FB IMG 1657199623360
رابعاً : أن يكون الحيوان لامع العين ونشيط وذو فروة سليمة متجانسة خالية من الأمراض والنظر إلى الأَلْية أي: الليَّة , والقوائم الخلفية إذا كان بها بقايا روث معناها أن الحيوان يعانى من الإسهال.
ولنتأمل في هذا الحديث لمعرفة أسبقية الإسلام للطب الحديث في ضرورة مراعاة هذه الشروط الأربعة واعتبارها من أهم معايير الجودة في لحوم الأضحية :
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أَرْبَعٌ لَا تَجُوزُ فِي الضَّحَايَا : الْعَوْرَاءُ الْبَيِّنُ عَوَرُهَا ، والْمَرِيضَةُ الْبَيِّنُ مَرَضُهَا ، والْعَرْجَاءُ الْبَيِّنُ ظَلْعُهَا ، والْكَسِيرَةُ الَّتِي لَا تُنْقِي» [رواه أحمد , والترمذي , وصححه].
خامساً : أن تتوفر في الأضحية السن المعتبرة شرعاً , حيث إن الشريعة الإسلامية اشترطت سنًّا معينة للأُضْحِيَّة ؛ مَظِنَّةِ أن تكون ناضجة كثيرة اللحم؛ ومراعاة لمصلحة الفقراء.
وذلك بأن يكون للضأن ستة أشهر, وعام للماعز, وعامان للبقر, وخمسة أعوام للجمل.
كما يمكن معرفة سن الأضحية :
عن طريق القواطع التي تكون في الفك السفلى للحيوان والفك العلوي عبارة عن وسادة غضروفية الأسنان اللبنية معناها أن عمر الأضحية أقل من عام وعند تغير زوج الثنايا الأوسط يكون الحيوان عنده (1- 1,5) سنة , وعند تغير زوجين من القواطع يكون الحيوان أتم عامان وثلاثة أزواج من القواطع أي أتم عامه الثالث وهكذا.
كما يمنع ذبح الإناث منهم حفاظاً على الثروة الحيوانية.
سادساً : عند ذبح الأضحية تتجه للقبلة وتسم الله ويكون السكين حاد القطع للمريء والحلقوم والودجين وهما عرقان متصلان بالدماغ.
وفي الحديث : «وإذَا ذَبَحْتُمْ فأحْسِنُوا الذَّبْحَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ، وَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ»[رواه مسلم].
الأضحية المسمنة أو المَعلُوفة
كما أشارت د. الشيتي بقولها : هذا وهناك الأضحية المسمنة أو المَعلُوفة وهي المعدة للتَّسمين , لا يُشترط لها بلوغ السّنّ المقررة إنْ كَثُرَ لحمُها في مدة أقل من السن المعتبر شرعاً ، فإذا كانت الأضحية المستوفية للسن المعتبر شرعاً هزيلة قليلة اللحم ، ووجد من الحيوانات التي لم تستوفِ هذا السن ما يتميز بكثرة اللحم كما في عصرنا هذا ؛ نتيجة العلف الصحيح للحيوان في ظل الأساليب العلمية الحديثة لتربية العجول مما يزيد من لحمه والتي تعتبر وزن النضج هو (350) كجم أو نحوها للعجل ، عند سنّ (14-16) شهرًا.

post

FB IMG 1657199620930
هذا وبعد أن تعرفنا على أهم معايير الجودة في لحوم الأضحية من منظور طبي صحي إسلامي
أقول وبالله التوفيق :
يستحب الأضحية بالمسمنة أو المَعلُوفة وهي المناسبة الآن لعصرنا والمعتبر في الفتوى في دار الإفتاء المصرية , وغيرها في المجامع الفقهية في العالم الإسلامي.
ويكون ذلك بعد تحري شرط السن إذا كان متوفراً وإلا كان الأولى الأضحية بالمسمنة أو المَعلُوفة لأن هذه السن هي سن الاستفادة القَصوى من لحمه ، بل لا يُبقَى عليه عادةً بعدها إلا لإرادة اللقاح والتناسل لا اللحم ، وهو في هذا السن يسمى : جذعًا ، ولا مانع حينئذ من الأضحية به ؛ إذا كانت العلة من السن المعتبر شرعاً في الأضحية هي وفرة اللحم وقد تحققت في الحيوان الذي لم يبلغ السن أكثر من تحققها في الذي بلغها.
وفي الحديث : «لاَ تَذْبَحُوا إِلاَّ مُسِنَّةً، إِلاَّ أَنْ يَعْسُرَ عَلَيْكُمْ فَتَذْبَحُوا جَذَعَةً مِنَ الضَّأْنِ»[رواه مسلم].
والجذعة : هي التي تتميز بوفرة اللحم , وإذا كانت الجذعة تجزئ في الضأن فقط دون الماعز فهي تجزئ في البقر والجاموس من باب أولى.
وبناء على هذا فيجوز ذبح الأضحية التي لم تبلغ السن الذي قررته الشريعة الإسلامية إذا كانت تتسم بكثرة اللحم الذي يعتبر المقصد الشرعي في الذبيحة من تحديد هذا السن ، فكثرة اللحم تغني عن شرط السن.
بحيث إذا وصل إلى السن المعتبر شرعاً أصيب بالضعف والهزال مما يؤدي إلى تناقص وزنه.
ففي هذه الحالة كان من الأفضل الأضحية بالمسمنة أو المَعلُوفة بغض النظر عن السن المعتبر شرعاً.
لما في ذلك من اعتبار مصلحة الفقراء في الأضحية كثيرة اللحم , والإسلام قد راعى مصالح العباد وجعل ذلك من مقاصد الشريعة الغراء.
تقبل الله منا ومنكم المناسك وصالح الأعمال.
وختاماً :
لا يسعنا في هذا المقام إلا أن نتقدم بوافر الشكر وعظيم الامتنان إلى سعادة الدكتورة / رباب عادل الشيتي – رئيس قسم الإرشاد بإدراة مصر القديمة بمديرية الطب البيطري بالقاهرة.
على هذا الحوار الثري وعلى هذه المعلومات القيمة لجريدة «نبض الوطن» والتي تهم كل الناس وبالأخص المسلمين في هذه الأيام العطرة.
وتحياتي :
د. عمرو حلمي
رئيس القسم الديني بموقع وجريدة نبض الوطن

زر الذهاب إلى الأعلى