د. أحمد شعبان يكتب … أثر العلاقة السببية في رفض الدعوى المدنية

 

يوجد أسباب للضمان بصفته نوع من أنواع الالتزام وتتجسد هذه الأسباب في نص القانون والتصرف القانوني بما يشمل العقد والإرادة المنفردة, والسبب الأخير الواقعة القانونية التي تنقسم بحد ذاتها إلى الفعل الضار والفعل النافع وما يهم القارئ هنا ” الفعل الضار” حيث اختلف أساس التعويض عن الضرر باختلاف المدراس الفقهية, مدرسة الفقه الإسلامي جاءت بمصطلح ضمان الإتلاف, فجعلت من الضرر مناطاً للضمان استناداً لقول الرسول عليه الصلاة والسلام “لا ضرر ولا ضرار, حيث تبنى الفقه الإسلامي النظرية الموضوعية التي جعلت من الضرر أساساً للمسؤولية التقصيرية, المدرسة الأخرى هي صاحبة النظرية الشخصية التي جاءت بمصطلح “العمل غير المشروع” إذ جعلت من الخطأ أساساً للتعويض عن الضرر أصحاب هذه النظرية هم فقهاء القانون المدني الفرنسي وأسوة بهم تبنى القانون المدني المصري نظرية الخطأ.

التي تخالف بدورها النظرية الموضوعية في الفقه الإسلامي, القانون المدني في الفعل الضار اتخذ منهجا وسطا بين النظرية الموضوعية والنظرية الشخصية فقد جاء بمصطلح “الإضرار ” كل إضرار بالغير يلزم فاعله ولو غير مميز بضمان الضرر فلفظ الإضرار الوارد يقابل الفعل الضار, لكنه بخلاف الضرر الذي يشكل النتيجة الضارة للفعل الضار حيث كان القانون المدني قريبا إلى مصطلح حديث وهو “الخطأ الموضوعي” الذي تقوم المسؤولية بموجبه بتحقق الانحراف دون اشتراط التمييز, ما يهم القارئ من الذي سبق مصطلح ” ضمان “الإتلاف إذ أن الإتلاف قد يكون مباشراً أو متسبباً. فأخذ به الفقه الإسلامي في صور عدة للمسؤولية منها المسؤولية عن الأعمال الشخصية والمسؤولية عن فعل الشيء وكذلك مسؤولية المتبوع عن أعمال تابعه، المسؤولية المدنية للمتسبب في نطاق الفعل الشخصي على الرغم من تناولها لبعض التطبيقات العملية والفقهية التي من الممكن أن يتحقق فيها مسؤولية المتسبب المتبوع أو الحارس.

اتفق الفقهاء على اعتبار موضوع المتسبب من مواضيع الفقه الإسلامي, فاهتمت مذاهبه بتنظيم أحكامه من مفهوم وصور مستنبطين معظمها من التطبيقات الفقهية, إلا أن الخلاف يدور حول بعض الأمثلة الفقهية في كونها تطبيقاً للمباشرة أم للتسبب؟, لذلك حاول البعض وضع معايير للتمييز بين المتسبب والمباشر لمعرفة حقيقة تلك الأمثلة, والخلاف لا يصل إلى هذا الحد بل امتد إلى الشروط الواجب توافرها في المتسبب, فالبعض يرى اشتراط التعمد والتمييز لمسائلة المتسبب, والبعض الآخر يكتفي باشتراط التعدي لإنهاض مسؤولية المتسبب.

اعتبر فقهاء القانون الوضعي أن الضرر بالمباشرة هو الذي أدى إلى نهوض فكرة الضمان في الفقه الإسلامي’, بينما الضرر بالتسبب وسع من نطاق الضمان، وترى أن هناك أفعالاً تلحق ضرراً بالتسبب فلولا التنظيم المدرج لها في الفقه الإسلامي والقوانين الوضعية لضاعت

post

يقع الضرر بالتسبب من خلال أفعال عدة، وبما أن معنى الإضرار هو ” مجاوزة الحد الذي لا بد من الوقوف عنده في الفعل “, يجب أن يوضح هل المقصود بالفعل هنا الفعل الإيجابي أم السلبي؟ حقيقة يوجد عدة صور للفعل المسبب للضرر تناولها الفقه الإسلامي والقانون الوضعي بالتحليل والمناقشة، للمتسبب وهي حدوث الضرر تسبباً نتيجة الفعل الإيجابي.

يجب على كل فرد أن يمتنع عن الأعمال التي من الممكن أن تلحق ضرراً بالغير وغالباً ما تكون هذه الأعمال إيجابية، فالقانون المدني بشكل عام جاء بقاعدة عامة، فلم يميز الأفعال الإيجابية التي من الممكن أن تلحق ضرراً بالغير عن غيرها، على خلاف القانون الجزائي الذي جاء بقاعدة ” لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص.

التسبب الإيجابي هو ” الذي حصل التلف بفعله وتخلل بين فعله والتلف فعل مختار “, والأمثلة على هذه الصورة كثيرة منها ” لو رش أحد الطريق فعطب إنسان بذلك كان ضامناً، هذا إذا رش كل الطريق وإن رش بعضه فمر إنسان في الموضع الذي رش فيه ولم يعلم فعطب كان ضامناً وإن علم بذلك فمر به مع العلم لا يكون ضامناً.

الفعل العمدي: هو ” الذي يقصد به الإضرار بالغير فالمسئول فيه لم يرتضي ولم يتوقع النتائج الضارة لعمله فحسب، ولكنه سعى وراءها أيضا، فهو لولا لم يرد الأذى لما حدث هذا الأذى ولذا فهو يعد مسئولا عنه ”

يرى الفقيه الإنجليزي أوستن (Austin فيلسوف إنجليزي” أنه يكفي لاعتبار الفعل متعمداً ” أن تخالج الفاعل فكرة إمكانية أن يترتب على فعله ضرر لآخر، ولو لم تكن لديه الرغبة في إحداث ذلك الضرر، أو لم تكن قد اتجهت إليه إرادته إليه وترى أنه يجب أن يقصد الشخص من فعله ضرراً لآخر, فالتعمد هو تعمد الضرر لا الفعل.

يمكن أن يتحقق الضرر تسبباً بالامتناع عن عمل، أي اتخاذ موقف سلبي مستقل عن أي عمل إيجابي، فالفعل السلبي هو ” الذي يأخذ صورة ترك أو امتناع وهو لا يتحقق إلا حيث يدل الترك أو الامتناع عن إهمال أو عدم الاحتياط.

هناك ثلاثة أنواع من الأفعال التي تدخل في نطاق الامتناع: الأول وهو الامتناع أثناء الفعل الذي بدوره يدخل في نطاق واقعة تبدأ بعمل إيجابي، يتجسد هذا النوع من صور المتسبب في أمثلة كثيرة منها الشخص الذي يحفر حفرة في الطريق العام بإذن دون أن يكون قد تعدى لكنه لم يضع إشارة تنبيهية على وجود الحفرة، فأدى بذلك إلى التسبب بالضرر لشخص آخر هنا يعتبر حفر الحفرة فعلاً إيجابياً، أما عدم وضع إشارة تنبيهية هو فعل يشكل بحد ذاته امتناع ألحق ضرراً.

وفي الختام أحب أن أوضح للقارئ

1- تتجسد القواعد العامة للمتسبب، في الفقه الإسلامي الذي تبنى النظرية الموضوعية (الفعل الضار)، فجعل من الضرر مناطاً للضمان بخلاف القانون المدني المصري، حيث لم تعرف أحكامه القائمة على النظرية الشخصية (الخطأ) المتسبب، بينما القانون المدني الأردني والعراقي كان قريبا إلى ” الخطأ الموضوعي بلفظ “الإضرار في الفعل الضار بمعنى الانحراف دون اشتراط التمييز فاتخذ منهجاً وسطاً بين المدرسة الموضوعية والمدرسة الشخصية.

2- بعض فقهاء القانون اعتبر التسبب الإيجابي هو ذاته التسبب بالتعمد، إلا أن هذا الرأي غير مقبول، وذلك لأن التسبب بالتعمد يفترض دائما توفر عنصر القصد والعمد، بينما التسبب الإيجابي هو أكثر عمومية قد لا يكون الفعل الإيجابي متعمداً.

3- اختلاف الآراء حول مسئولية المتسبب بالامتناع باختلاف المذاهب فالمذهب الفردي ينفي مسئولية المتسبب الممتنع، بينما المذهب الجماعي يقضي بمسائلته وبهذا المذهب يأخذ غالبية الفقه الإسلامي مع وجود بعض القيود.

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى